سأقدم قراءة أولى مختصرة لكتاب حكاية التدين السعودي قد تعقبها قراءة ثانية أكثر شمولية. الكتاب للمؤلف وحيد الغامدي وهو الأول من نوعه ، فيما أعلم.
ولأهمية الكتاب ارتأيت تسليط الضوء على أهم النقاط التي يتميز بها الكتاب، تنبيهاً للباحثين الغافلين عنها، لتحقيق الفائدة القصوى منه
كذلك سأبحث فيما سكت عنه الكاتب، فالكتاب ليس نقديا في سطورة المكتوبة، كما صرّح المؤلف بذلك، لكنه يحمل كمية نقد لاذعة وعنيفة في المسكوت عنه.
وما دعاني للبحث فيما سكت عنه المؤلف: أن نقده الصارم ليس لخصومه المتأسلمين ،فالكل يستطيع نقد الخصم،
إنما أشهر سيف النقد وارتد على تياره التنويري، وهو ابنهم.
إنما أشهر سيف النقد وارتد على تياره التنويري، وهو ابنهم.
تماماً كما فعل أرسطو في القرن الثالث ق. م: حين ارتد على تيارة الفلسفي و وضع أستاذه أفلاطون تحت مشرحة النقد الحاد.
وكما فعل سبينوزا في القرن 16مع أستاذه ديكارت حين أسقط ثنائيته(=الجسم والعقل) وأثبت الوحدوية.
وكما فعل إبراهيم البليهي في القرن 21 م. مع المثقفين حين توصل إلى أن النخبة مبرمجين كبقية المجتمع، بحسب رأيه
وهذا شأن كل من كانت لهم اليد الطولى في صناعة التغيير نجد أقوى وأعمق نقدهم موجه لمدرستهم لا لخصومهم، تاريخياً، هؤلاء يصنعون التغيير من وراء قبورهم.
وكما فعل سبينوزا في القرن 16مع أستاذه ديكارت حين أسقط ثنائيته(=الجسم والعقل) وأثبت الوحدوية.
وكما فعل إبراهيم البليهي في القرن 21 م. مع المثقفين حين توصل إلى أن النخبة مبرمجين كبقية المجتمع، بحسب رأيه
وهذا شأن كل من كانت لهم اليد الطولى في صناعة التغيير نجد أقوى وأعمق نقدهم موجه لمدرستهم لا لخصومهم، تاريخياً، هؤلاء يصنعون التغيير من وراء قبورهم.
إن حكاية التدين السعودي يضع حداً لتخبطات الباحثين الإصطلاحية، وآداة معرفية للبحث العلمي تُنهي حالة التوهان التي نراها في مصطلحات الكثير من الباحثين،
إنه يُعرِّي "الدخلاء على التنوير" الذين يطعنون التنوير في مقتل ، وهؤلاء أشد خطراً من المتأسلمين على الوعي العام، لأنَّ أقصى أضرار التيار الديني هي عوائق تقاوم سرعة تقدم التنوير، أما هؤلاء المتطفلين على الساحة الثقافية فإنهم يطعنونه من الداخل_لا أعمم طبعاً.
إن حكاية التدين السعودي: لا يكشف لهؤلاء ضعفهم أمام أنفسهم فحسب، بل ويَصف لهم الدواء أيضا.. ولا يمنعهم من علاج منهجهم إلا إنكار الوباء فيه.
وقد رأيت بعض هؤلاء المُنكرون.
وقد رأيت بعض هؤلاء المُنكرون.
قد فعل الغامدي ذلك من خلال تقديمه لتعريفات ومحددات للمصطلحات: كأهل الحديث، والحنبلية، والسلفية، والوهابية، الصحوة...إلخ
لا يسع المجال لسردها.
لا يسع المجال لسردها.
السؤال/ ما فائدة تعريفات الغامدي في البحوث العلمية؟ وكيف أَزالةْ الطلاء الثقافي عن عقول المنتسبين للتنوير؟
للإجابة على هذا السؤال نحتاج للعودة إلى سقراط وأرسطو ومعرفة الجديد الذي جاء به سقراط، فكان بموجبهِ مؤسس لمدرسة فلسفية غيّرت مجرى العقل الإنساني.
كان الفلاسفة يتناقشون في نظرياتهم، وأثناء نقاشهم تَرِدْ مصطلحات في طيات كلامهم كالعدالة والحقيقة والفضيلة.. إلخ.
فإذا نطق الفيلسوف المتحدث بكلمة. كالعدالة مثلا:
يُقاطعه سقراط متسائلاً: ما هي العدالة؟!
وكُلّما ذكروا تعريفاً، نقضه.
وكُلّما تلفظوا بكلمة، قاطعهم مطالباً بتعريف لها.
فإذا نطق الفيلسوف المتحدث بكلمة. كالعدالة مثلا:
يُقاطعه سقراط متسائلاً: ما هي العدالة؟!
وكُلّما ذكروا تعريفاً، نقضه.
وكُلّما تلفظوا بكلمة، قاطعهم مطالباً بتعريف لها.
إذن_وكما يشير أرسطو_ قد أدرك سقراط أن التعريف والتحديد والفحص. طريقة صعبة,وامتحان لا رحمة فيه للعقل. كما يقول ول ديورانت.
وهذا ما نراه في المنابر الثقافية عند أولئك المستثقفين عُباد الشهرة والكراسي، تراهم في كل جريدة يهيمون.
فلو قاطعة أحدهم متسائلا:ً ما هي السلفية أو ماهي الوهابية؟
لاختلط عليه الأمر وبات حائراً في تحديد ما نطق به لسانه، وما عرف كيف يميزه عن المتشارك معه في الصفات العامة.
مع أني أعذرهم في ظل غياب مرجع لتحديد المفاهيم قبل حكاية التدين السعودي_بشرط أن يعترفوا بقصور منهجهم.
فلو قاطعة أحدهم متسائلا:ً ما هي السلفية أو ماهي الوهابية؟
لاختلط عليه الأمر وبات حائراً في تحديد ما نطق به لسانه، وما عرف كيف يميزه عن المتشارك معه في الصفات العامة.
مع أني أعذرهم في ظل غياب مرجع لتحديد المفاهيم قبل حكاية التدين السعودي_بشرط أن يعترفوا بقصور منهجهم.
من هنا تأتي أهمية الكتاب
فهو يفحص عقول الباحثين، يكشف ضعفها أولا،ً ويكون آداة لهم في بحوثهم العلمية القادمة بشتى أنواعها
فهو يفحص عقول الباحثين، يكشف ضعفها أولا،ً ويكون آداة لهم في بحوثهم العلمية القادمة بشتى أنواعها
لم تأخذ قضية تعريف المصطلحات حقها بعد سقراط لذلك انتشرت الخرافة في أقوال أفلاطون إلى أن جاء أرسطو بعلم المنطق.
فقرر منطقه: وهو جمع الأشياء المتشاركة في المميزات العامة على مستوى واحد، ثم البحث في كل شيء عما يتميز به عن باقي الأشياء في طبقته.
فقرر منطقه: وهو جمع الأشياء المتشاركة في المميزات العامة على مستوى واحد، ثم البحث في كل شيء عما يتميز به عن باقي الأشياء في طبقته.
تماماً هذا ما فعله المؤلف وحيد الغامدي
فقد جمع الأشياء المتشاركة في الصفات العامة_على سبيل المثال لا الحصر_ (جَمَعَ أهل الحديث، والحنابلة، والسلفية ،والوهابية…إلخ. في طبقة واحدة ،ثم بحث عما يتميز به كل مصطلح عما في طبقته.( قد اخترنا هذا المثال من الكتاب وكررناه لشدة وضوحه)
فقد جمع الأشياء المتشاركة في الصفات العامة_على سبيل المثال لا الحصر_ (جَمَعَ أهل الحديث، والحنابلة، والسلفية ،والوهابية…إلخ. في طبقة واحدة ،ثم بحث عما يتميز به كل مصطلح عما في طبقته.( قد اخترنا هذا المثال من الكتاب وكررناه لشدة وضوحه)
إن قضية تحديد المفاهيم وتعريف المصطلحات مسألة في غاية الأهمية،
ويؤكد الفيلسوف ول ديورانت ذلك بقوله " وكان هذا أول تمييز عظيم يمتاز به أرسطو عن سلفه وهو من وضعه وتفكيره, هو وضعه لعلم جديد وهو المنطق. يعتقد رينان بضرورة تدريب العقل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الطريقة الأدبية اليونانية ويرى أن العقل لا يكتمل بدون هذا التدريب . والواقع أن العقل اليوناني كان في حالة من الفوضى وعدم النظام إلى ان قدم أرسطو وسيلة لفحص العقل وتصحيح الفكر . وحتى أفلاطون كان روحاً منطلقة غير محكمة ، تتخلله سحابة الخرافة دائماً ، ويحجب جمال أسلوبه وجه الحقيقة " قصة الفلسفة ص 78.
وقال " لقد وردت إشارات عن علم المنطق الجديد هذا في مناقشات سقراط التي كان يلح فيها دائما على وضع تعريف للأشياء, كما أن رسالة أرسطو الصغيرة عن " التعاريف " تظهر أن منطقه قد تغذى من هذا المنبع. لقد قال فولتير إذا كنت ترغب في التحدث معي عرف ما تقول وحدد قولك. كم من نقاش قد ينكمش ويتحول إلى مقطع لو تجرأ المتناقشون على تحديد عباراتهم وجملهم هذا هو الأول والآخر في المنطق, وقلبه وروحه, بأن تخضع كل عبارة هامة في حديث جدي إلى أشد أنواع التعريف والتحديد والفحص. إنها طريقة صعبة,وامتحان لا رحمة فيه للعقل " المصدر السابق ص79
ويؤكد الفيلسوف ول ديورانت ذلك بقوله " وكان هذا أول تمييز عظيم يمتاز به أرسطو عن سلفه وهو من وضعه وتفكيره, هو وضعه لعلم جديد وهو المنطق. يعتقد رينان بضرورة تدريب العقل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الطريقة الأدبية اليونانية ويرى أن العقل لا يكتمل بدون هذا التدريب . والواقع أن العقل اليوناني كان في حالة من الفوضى وعدم النظام إلى ان قدم أرسطو وسيلة لفحص العقل وتصحيح الفكر . وحتى أفلاطون كان روحاً منطلقة غير محكمة ، تتخلله سحابة الخرافة دائماً ، ويحجب جمال أسلوبه وجه الحقيقة " قصة الفلسفة ص 78.
وقال " لقد وردت إشارات عن علم المنطق الجديد هذا في مناقشات سقراط التي كان يلح فيها دائما على وضع تعريف للأشياء, كما أن رسالة أرسطو الصغيرة عن " التعاريف " تظهر أن منطقه قد تغذى من هذا المنبع. لقد قال فولتير إذا كنت ترغب في التحدث معي عرف ما تقول وحدد قولك. كم من نقاش قد ينكمش ويتحول إلى مقطع لو تجرأ المتناقشون على تحديد عباراتهم وجملهم هذا هو الأول والآخر في المنطق, وقلبه وروحه, بأن تخضع كل عبارة هامة في حديث جدي إلى أشد أنواع التعريف والتحديد والفحص. إنها طريقة صعبة,وامتحان لا رحمة فيه للعقل " المصدر السابق ص79
إن حكاية التدين السعودي لا يكتفي بكشف ضعف الباحثين فحسب ، بل ومحفز لعقل القارئ العادي.
فالكتاب ليس نقدياً، كما نوّه المؤلف في مقدمته.
وحين يصل القارئ لمنتصف الكتاب وهو يترقب بشغف وصوله لمعلومات صحيحة تكون بديلة عما هدمه الكاتب في الصفحات الماضية ، في هذه اللحظات الترقبيِّة ، يُكرر المؤلف تنويههُ بأن الكتاب ليس نقديًا! وكأنه يقول للقارئ لا تنتظر مني شيئاً.. انطلق وفكر بما أعطيتك من آدوات..أنا كمؤلف مسؤوليتي الهدم، والبناء عليك، كتابي هذا استشراف لمراحل تاريخية فقط. وهذه إحدى أهم امتيازاته بنظري.
فالكتاب ليس نقدياً، كما نوّه المؤلف في مقدمته.
وحين يصل القارئ لمنتصف الكتاب وهو يترقب بشغف وصوله لمعلومات صحيحة تكون بديلة عما هدمه الكاتب في الصفحات الماضية ، في هذه اللحظات الترقبيِّة ، يُكرر المؤلف تنويههُ بأن الكتاب ليس نقديًا! وكأنه يقول للقارئ لا تنتظر مني شيئاً.. انطلق وفكر بما أعطيتك من آدوات..أنا كمؤلف مسؤوليتي الهدم، والبناء عليك، كتابي هذا استشراف لمراحل تاريخية فقط. وهذه إحدى أهم امتيازاته بنظري.
فالكتب النقدية التي تحشو المكتبات لا تَعْدُوا عن كونها تلقين للقارئ، وبعضها لا يساوي الحبر الذي كُتِبَتْ به. وهذا البعض ليس قليلًا.
معظم الكتب النقدية يقوم المؤلف بِصَبِّ أفكاره في عقل القارئِ . وإن نجح القارئ في النجاة بعقله والحيلولة دون جعله وعاء لغيره ، فإن منقودات المؤلف_عادةً_تكون حاجز لا يستطع القارئ العادي تجاوزها، ولا يسعه إضافة المزيد.. إلا لماما.
لكن حكاية التدين السعودي يُرْغِم القارئ على الانتقاد وإعمال العقل والمشاركة مع المؤلف، إذ يتكفّل القارئ بمهمة نقد ما سكت عنه الكاتب دون أي حواجز.. ومن هنا يكون الباب مفتوح لينطلق القارئ متجاوزاً الكاتب. بل إن الكاتب يدفع القارئ دفعاً نحو بوابة الانطلاق المفتوحة على مصراعيها.
كل كتاب لا يخلو من نقاط نقدية على الهامش مهما كان غير نقدي، والجميل أن الأستاذ وحيد كان متقيِّد بقواعد النقد العلمي في نقده الهامشي_وهو غير مُطالب بذلك_كون الكتاب ليس نقديا أصلاً،
نجده حينما ذكر سلبيات الوهابية ذكر محاسنها أيضا، وهذا هو العدل والإنصاف،
التقيد بالمنهج العلمي للنقد الذي رأيناه عند كاتب حكاية التدين السعودي لا نجده عند الكثير من الكتب النقدية!
قد أنصف الوهابية والسلفية، والسلفية المحتسبة.. وغسل المتشدقين باسم التنوير ..غسلا.
قد أنصف الوهابية والسلفية، والسلفية المحتسبة.. وغسل المتشدقين باسم التنوير ..غسلا.
ولكي تعلموا أنهم في حالة يُرثى لها.. يقرأون الكتاب ويظنون المؤلف فضح المتأسلمين وألجمهم!! ولا يعلمون بأنهم هم المفضوحين وكُشِفَتْ سوءة عقولهم.
(أتحدث عمن يتمعّكون على المنابر الإعلامية لا عن مواقع التواصل الاجتماعي)
أختم بمقولة لمولانا جلال الدين الرومي يقول فيها:
قد تكون الأشياء البسيطة أكثر شيء تميزا.. ولكن ليست كل عين ترى.
تماماً هذا حال حكاية التدين السعودي..إنه من أكثر الأشياء تميزا..ولكن ليست كل عين ترى.
هذا رأيي أكتبه بحسب فهمي للكتاب، وكما يُقال: النص لقارئه وليس لكاتبه.
بقلم /Mohammed
حُرر في السابع من يونيو 2017